ما تستغربوش من الاسم دة الان الاسم دة حتفهموا معناه في اخر القصة دي واحب اسمع رايكم
ما أحلى طعم الموت!!
عقارب الساعة تكاد تتجاوز الثانية ظهراً
يلملم "عبدالسلام" حاجياته مسرعًا ؛فلم يتبق على بدء حظرالتجوال في مدينته القدس سوىساعتين..
يجب
أن يخرج من المكتب قبل أن تزدحم الشوارع بالعائدين إلى بيوتهم؛ فما زال
أمامه المرور على طفليه لإحضارهما من المدرسة، ثم شراء مستلزمات البيت حتى
الغد، ثم السيرلأكثرمن عشرين دقيقة فالحافلة لا تمر إلا بالشوارع
الرئيسة.. إنهامعاناة كل يوم .
يخرج عبد السلام من المكتب متعجلاً؛يتجاهل حتى رد السلام فربما يجره رد السلام إلىثرثرةٍ لا طائل منها سوى التأخيروإضاعةالوقت
الحمد لله، لم تتأخر الحافلة، سأصلإلى المدرسة قبل خروجالأطفال
ما شاء الله.. مقعدان خاليان بالحافلة-
أعتقد أن الجلوس بجوار هذا الصبي الصغير سيكون أفضل من الجلوس بجوارالسيدة
تفحص
عبدالسلام الصبي سريعًا.. فلمير إلا جسده النحيل، إنه لايتجاوز الخامسة
عشرة؛ ولكن لماذا يدورببصره من خلال النافذةوكأنه يبحث عن شيء ما؟ إنه حتى
لا يشعربوجودي
بماذا يتمتم؟
لعله يهمس لنفسه بكلمات إحدى تلك الأغنيات الغريبة التي يسمعها الصبية هذه الأيام..
أفضل شيء أنأحاول الاسترخاءقليلاً، فما زال الطريق طويلاً، وأنا أشعر اليوم بأنني منهكٌ تماماً
التفت الصبي إليه فجأة، وكأنه يتساءل: منذ متى وأنت هنا؟
بادله عبدالسلام بنظرة ترحاب، تجاهلها الصبي ليعود إلىالنافذة
من الواضح أن هذا الصبي غريبالأطوار..ربما يمر بأزمة عاطفية، أو ربما هي أعراض الحب الأول..
وقبل أن يهمَّ عبدالسلام بالضحك فيأعماقه.. التفت إليه الصبيفجأةوسأله :
هل ذقت طعم الموت يا سيدي؟
ماذا؟.. طعم ماذا ؟؟؟؟
قالها عبدالسلام متعجبًا فزعًا من هذا السؤالالمفاجئ
الموت يا سيدي ..
شعر عبدالسلام بأن كلمة "غريبالأطوار" كانت مجحفة لشخصيةهذا الصبي..
ولكن لا بأس؛ فالحواريقتل دقائق الانتظار للوصولإلىالمدرسة
وماذا يعرف صبيٌ في مثل عمرك عن الموت ؟؟؟
ليس أكثر مما تعرفه أنت يا سيدي، وليس أقل
فماذا تعرف أنت عن الموت؟
الموت يا بني.. الموت هو الموت
هل
رأيت يا سيدي؟ نحن لا نعرف شيئًا عن الموت، فمن منا يستطيع أن يصف ملامح
الموت؟وكذلك الموت.. لا يعرفنا؛ فهو لا يميز صغيرنا من كبيرنا،
ولاضعيفتامن قويِّنا، ولا فقيرنا منغنيِّنا
يا سيدي نحن والموت كمسافرين فيقطارين متعاكسين؛ لانلتقي إلا للحظاتٍ معدودة؛ لا تكفي للتعارف
صدقت يا بني؛ ولكن من في مثل عمرك يتحدث عن الموت ؟؟
ولماذا يا سيدي؟.. الموت سلعة بائرة لا يشتريها الكبار عندمايجب عليهم ذلك.. لذا يجدها الصغار في الأسواق بأبخس الأثمان
ربما
قالها مفضلاً قطع هذا الحوار السخيف،ومتعجبًا من هذه الفلسفةالغريبة التي تورط في الإنصاتإليها
أعاد الصبي النظر من النافذة، ثم مالبث أن التفت ثانيةً إلىعبد السلام
لم تجبني يا سيدي؟
بماذا يا بني؟
هل ذقت طعم الموت؟-
يا بني: الموتى فقط هم من يذوقون طعم الموت، أما الأحياء فلا ....
يا سيدي: الموتى لا يتذوقون.. إنهم موتى؛ ألا تفهم؟! إنهمموتى
يا بني: إذا كان الموتى لا يذوقون طعم الموت؛ فكيف تدَّعي أنالأحياء يذوقونه؟
لأن الأحياء هم من أنعم الله عليهم بالإدراك.. لذا فهميتذوقون-
ولكن.. ألم تقل يا بني إننا لا نعرف شيئًا عن الموت ؟
صحيح يا سيدي.. ولكننا نستطيع أن نشم رائحته، أن نذوق طعمه-
كيف ونحن لا نعرفه؟
يا سيدي، عندما تخرج من بيتك كلصباحٍ تتلمَّس الموت.. تذوقطعمه
عندما تجوب الشوارع والطرقات.. تفتش عن الموت.. تذوقطعمه
عندما تطاردهبجسدك الضعيف غير مبالٍ.. تذوق طعمه
عندما تشعر به يفر من أمامك مذعورًا.. تذوق طعمه
عندما تجده أجبن من أن يحصدك.. تذوق طعمه
عندما تعود إلى دارك آخر النهارمهمومًا؛ لأنك لم تمسك بالموتتذوقطعمه
يا سيدي، عندما تخرج لسانك للموت.. تذوق طعم الموت
نظر عبدالسلام إلى الصبي مرتابًا، وقد سرت بأطرافه قشعريرةباردة
"ربما يكون به مسّ"
نفض الفكرة عن ذهنه سريعًا.. ربماالحديث عن الموت هو مايفزعه، ولم لا ؟ فالنفس البشرية تجزع منالموت
ولكن ما بال هذا الصبي يتحدث عنالموت وكأنه صديقٌ حميميعرفه جيدًا؟ هل يكونروحًا؟
ما هذا يا عبدالسلام؟ هل تفقدكعباراتٍ بلهاء- يهذي بها صبيٌّ مخبولٌ صوابك
تمنى عبد السلام لو يعاود الصبيحديثه، فربما قطعت الكلماتهذا السيل من الأفكار البلهاء التيتحاصره
وكأن الصبي يتعمد أن يدعه لأفكارهتعبث به مكتفيًا بالنظر منخلال نافذته
حاول عبد السلام مجاذبة الصبي أطراف الحديث مرة أخرى..
إلى أين أنت ذاهبٌ يا بني ؟
إلى داري ....
هل كنت في المدرسة ؟؟-
لا
هل تعمل؟
نظر إليه الصبي بحزن وقال ..
أبي لا يجد عملاً، وكذلك أخي الأكبر-
إذًا مِن أين قدمت؟
من بيتي-
ألم تقل منذ لحظات إنك في طريقك إلى بيتك ؟؟!!!!
لا يا سيدي.. وإنما قلت أنا في طريقي إلى داري-
تراقصت الحيرة في عينيَّ عبدالسلام مغلفةًكلماته
قادمٌ من بيتك.. وفي طريقك إلى دارك؟-
نعم يا سيدي.. قادمٌ من بيتي وفي طريقي إلى داري-
.. ما الغريبفيهذا؟
لا شيء يا بني.. لا شيء-
شعر عبد السلام بالرغبة في النهوضسريعًا.. بالتأكيد هذا الصبيليسطبيعيًّا
تمنى لو تسرع الحافلة قليلاً لينهيهذا العبث.. تمنى لو لميستقل هذه الحافلة، لم يرها..
أحس بالندم ؛ لأنه لم يرد السلام علىزميله أثناء خروجه.. لربماشغلهما الحديث حينها فيعمى عن رؤية هذهالحافلة اللعينة
وكأنما أدرك الصبي أنه قد نال منعبد السلام .. فتحركت ملامحهالجامدة ليمتلئ وجهه لأول مرة بابتسامةمودة
هل لديك أطفال يا سيدي؟-
نعم، لدي "نضال" عمره ثماني سنوات، و"جهاد" عمرها ست-
سنوات، و"صلاح الدين" عمره ثلاث سنوات
قَــرَّ الله بهم عينك
وأدامك الله لأهلك سالمًا يا بنيّ-
عندما يكبر أطفالك يا سيدي، عندما ينضجون، عندما يفهمون
عندما يسألونك عن الموت.. قل لهم يا سيدي
ما أحلى طعم الموت"
لم يمهلني الوقت للتفكير في معنىكلماته، فقد صرخ فجأةمستوقفًا السائق، لينهض مهرولاً إلى الباب الأمامي حتى كاد أنيزيحني من مقعدي
وقبل
أن يهبط من الحافلة.. توقف فجأةوكأنه تذكر أمرًا مهمًّا.. نظرإلى السيدة
التي بجواري؛ عانقهابعينيه، قبَّــل يديها وسألها الدعاء
أطالت النظر إليه وكأنها تحفر ملامحهفي ذاكرتها؛ احتضنتهبعينيها، خبأته في صدرها، طبعت على خديه قبلةعميقة
رسم على شفتيه ابتسامة رضا وهبط مسرعًا..
أخذ يعدو في الطريق كالصاروخ المنطلقيخترق الزحام.. لا أدريلماذا؟ أو إلى أين ؟
إنه فعلاً صبيٌّ غريب.. حتى أفكاره وكلماته غريبةمثله
انطلقت الحافلة.. نظرت إلى السيدةأفتش في ملامحها عن سرهذا الصبي.. لقد تصلبت ملامحها حتى بدتكالموتى
لم تمر سوى لحظات.. حتى دوى صوت انفجارٍ هائل.. توقفت الحافلة فجأة، نهض كل من بداخلها يتطلعون إلى الخلف
لقد كانت سيارة عسكرية اسرائيلية تحترق ككومة من القش..
قطع صمت الجميع زغرودة طويلة أطلقتها تلك السيدة
لقـد كانت أمّــه..
.. أبـت إلاّ أن تصحبـه إلى حفـل عرسـه ...