شيء
جلدي مصنوع يمتلئ ريحا وهواءً،يُحكم استدارة،فجأة ينتقل إلى مخلوق مملوء
روحا،يسير أقواما وأكوانا.ملاعب ممتلئة وصراخ جماهير وتنافس حول كؤوس.
فكرة اللعب، بل حب اللعب،منذ الصغر تجد الطفل يجرب ويلامس ويتحرك......
الآن ، كرة القدم هي هذا الشيء المخلوق والمصنوع.أصبح عادة عند كل
الأجيال.كل الأطفال،كل الشباب.أصبح منظما في أندية وجمعيات ومؤسسات.من الحي
الصغير إلى المدينة الكبيرة فالدولة فالقارة والعالم.
أصبحت الفرجة والاحتفالية الكبيرة بهيجان أصواتها وطقوسها.ارتبط بها اليوم
الرمز الديني كما الرقص الانتصاري. احتاجت هذه الرياضة إلى تدبير
وسياسة.وانقلبت الآية،ما دامت متعلقة بالجماهير،بالآلاف والملايين،بوسائل
الإعلام والإشهار وشركات التسويق والإنتاج.أصبحت الرياضة وسياسة تسير
الاقتصاد والإعلام والإشهار.. تحتاج إلى اتخاذ قرار،وهي موجهة للرأي
العام..
صانع أغلفة الهواتف النقالة الجلدية يجلس منتظرا نهاية المقابلات الرياضية
في كاس العالم حتى يعرض سلعته ليسترزق يومه على أرصفة شوارع المدينة.
المنبر الإعلامي للدعاية والخبر السياسي ، لابد له من برمجة خارج زمن
المباراة في كرة القدم.وصاحب المشروع الانتخابي هو كذلك يجب عليه أن يركب
حصان طروادة،فيختبأ داخل التشجيع الجماهيري أو المكتب المسير للفريق حتى
يخدم به أهدافه الحزبية والشخصية.والويل له إذا بدل لون قميصه
الرياضي،انقلبت عليه جماهير التشجيع والاقتراع....
لاننسى انه من بين المزايا عند السياسي هو استغلال اشتغال الناس بالمباريات
لكي ينزل بقرار أو يزيد في أسعار.. كذلك الكيان الصهيوني،ينتهز الفرصة
لتدمير منازل القدس وتخطيط تهويد معالمها.....
سأل أحدهم نادل المقهى خلال مباراة الأرجنتين مع المكسيك: من الرابح؟
أجابه بشكل كوميدي:صاحب المقهى هو الرابح.ألا ترى اكتظاظ المكان.... ابتسم
السامعون واستمروا في الفرجة.فلا بد من منتصر...
هكذا أصبح لكرة القدم روح تسييرية.بل إنك قد تكسر ما أمامك أو تلفازك، وكم
من سكتة قلبية سببتها أزمة مباراة ونتيجتها.هكذا امتلكت العقل والنفس
والأعصاب.فترى الفرحة كما ترى الحزن والبكاء المرافق لهما. واستعانت النفس
في كرة القدم بالسحر وطقوسه.لا يكفي الرمز الديني المستعان به.كيف تستطيع
طلاسم السحر وبخوره امتلاك الحركة والنتيجة.
حينما يصبح الثانوي أساسيا،تعطل ضروريات لأجل المتعة الكروية.ترافقها
رهانات ومقامرات بالملايين أو الملايير بحسب كل عملة.هكذا يؤخذ التشبيه
الذي جعله ماركس للدين ،ويلصق بكرة القدم،فتصبح كما قال صديق لي، وكما قال
من قبله ومن بعده:كرة القدم أفيون الشعوب الجديد. ما دامت إدمانا،تعطيلا
للأساسيات،تخديرا للعقول حتى لا تسائل واقع الحياة والحال/وما المطلوب وكيف
يكون النهوض من عطالة أو عطب سياسي او اقتصادي وثقافي واجتماعي أو قل
تنموي على العموم....
يبقى هذا المخلوق الجلدي شيئا ضروريا،فيتحول من أفيون إلى دواء،إذا ارتبط
بتربية رياضية،ووجدته ملاعب مجهزة في كل الأحياء،يُمتع،ويُكون الجسم،ويُربي
على الروح الجماعية،وعلى التعايش والسلام والإيمان بالنسبية،ويؤهل
للخيارات والقرارات عبر اختبار المؤهلات واختيارٍ بانتخابات وحسنِ تدبير
مالي وسياسي ورياضي واقتصادي... يرتبط بمدرسة الحياة والدراسة والعمل
وكرامة العيش والسكن،لا بملأ الفراغ وقتل الوقت ومرافقة إدمان بإدمان مع
إدمان...
بين الصحي والمرضي،تبقى الحاجة إلى سياسة رياضية تربط كرة القدم بمشروع
تنموي جماعي ديمقراطي.يستفيد منه الجميع ببنيات تحتية وتأطير وقيم حياة
متحضرة ومتمدنة ترسم مستقبلا مأمولا ومضمونا للجميع... وتحية
رياضية،وللحديث بقية.