لا يقبل الله عز وجل عملاً من الأعمال حتى يتوفر فيه شرطان فالأول: هو الإخلاص وهو شرط الباطن، والثانى: هو متابعة سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهو شرط الظاهر، ودل على هذا المعنى كتاب الله المنزل وسنة النبى المرسل - صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا}[1]
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل, وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل .
وقال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[2]
فالعمل الصالح هو الموافق للسنة وعدم الشرك هو الإخلاص.
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ}[3] فإسلام الوجه هو الإخلاص، والإحسان هو متابعة سنة النبى – صلى الله عليه وسلم.
الإخلاص: هو تجريد قصد التقرب إلى الله عز وجل عن جميع الشوائب .
وقيل: هو إفراد الله عز وجل بالقصد فى الطاعات.
وقيل: هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
والإخلاص شرط لقبول العمل الصالح الموافق لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وقد أمرنا الله عز وجل به فقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء}[4].
وعن أبى أمامة قال: جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجرَ والذكْر ماله ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا شىء له" فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله: "لاشىء له"، ثم قال: "إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغى به وجهه"[5].
وعن أبى سعيد الخدرى – رضى الله عنه - عن النبى – صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى حجة الوداع: "نضر الله امرءاً سمع مقالتى فوعاها، فرب حامل لفقه ليس بفقيه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل لله، والمناصحة لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم"[6].
والمعنى: أن هذه الثلاثة تستصلح بها القلوب، فمن تخلق بها طهر قلبه من الخيانة والدغل والشر.
ولا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص لقول الله عز وجل:
{إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}[7].وروى أن أحد الصالحين كان يقول لنفسه: "يا نفس أخلصى تتخلصى".
وكل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس، ويميل إليه القلب، قلّ أم كثر، إذا تطرق إلى العمل, تكدر به صفوه, وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط فى حظوظه, منغمس فى شهواته, قلما ينفك فعلٌ من أفعاله, وعبادةٌ من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس، فلذلك قيل: "من سلم له من عمره لحظةٌ واحدةٌ خالصةٌ لوجه الله نجا", وذلك لعزة الإخلاص، وعُسْرِ تنقية القلب عن الشوائب, فالإخلاص: تنقية القلب من الشوائب كلها, قليلها وكثيرها، حتى يتجرد فيه قصدُ التقرب فلا يكون فيه باعثُ سواه, وهذا لا يتصور إلا من محب لله مستغرق الهم بالآخرة، بحيث لم يبق لحب الدنيا من قلبه قرارٌ, فمثل هذا لو أكل, أو شرب، أو قضى حاجته, كان خالص العمل، صحيح النية، ومن ليس كذلك فبابُ الإخلاص مسدودٌ عليه إلا على الندور .
وكما أن مَنْ غلب عليه حب الله, وحب الآخرة، فاكتسبت حركاتهُ الاعتيادية صفة همه, صارت إخلاصاً, والذي يغلب على نفسه الدنيا والعلو والرياسة اكتسبت جميع حركاته تلك الصفة، فلا تسلم له عبادةٌ من صومٍ, وصلاة وغير ذلك إلا نادراً .
فعلاج الإخلاص كسرُ حظوظ النفس، وقطعُ الطمع عن الدنيا، والتجرد للآخرة, بحيث يغلب ذلك على القلب، فإذ ذاك يتيسر به الإخلاص، وكم من أعمل يتعب الإنسان فيها, ويظن أنها خالصةٌ لوجه الله، ويكون فيها من المغرورين، لأنه لم يَرَ وجهَ الآفة.
كما حُكي عن بعضهم: أنه كان يصلى دائماً فى الصف الأول، فتأخر يوماً عن الصلاة فصلى فى الصف الثانى، فاعترتْه خجلةٌ من الناس حيث رأوْه فى الصف الثانى، فَعَلم أن مسرته وراحة قلبه منِ الصلاة فى الصف الأول كانت بسبب نظر الناس إليه، وهذا دقيقٌ غامضٌ قَلّما تسلم الأعمال من أمثاله, وقلّ من ينتبه له إلا من وفقه الله تعالى، والغافلون عنه يَرَوْنَ حسناتهم يوم القيامة سيئات, وهم المقصودون بقوله تعالى: {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}[8] وبقوله عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[9].
بعض الآثار عن الإخلاص
قال يعقوب: " المخلص من يكتم حسناته كما يكتم سيئاته " .
قال السوسي: " الإخلاص فَقْدُ رؤية الإخلاص, فإن مَنْ شاهد فى إخلاصه الإخلاص فَقد احتاج إخلاصه إلى إخلاص " . وما ذكر إشارة إلى تصفية العمل من العُجْب بالفعل, فإن الالتفات إلى الإخلاص، والنظر إليه عٌجْب, وهو من جملة الآفات, والخالص ما صفا عن جميع الآفات .
قال أيوب: "تخليص النيات على العُمّال أشد عليهم من جميع الأعمال" .
وقال بعضهم: " إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكنّ الإخلاص عزيزٌ".
وقيل لسهل: أى شىء أشد على النفس؟ قال: "الإخلاص ،إذ ليس لها فيه نصيب " .
وقال الفُضَيْل: "ترك العمل من أجل الناس رياء, والعملُ من أجل الناس شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما " .