العلماء في «سيرن» يراقبون صور التصادم الأول بين البروتونات أمس في «مصادم الهدرونات الكبير»، قرب جنيف (أ ب أ)
نجح علماء دوليون أمس في تجربة وصفت بأنها «الأضخم في العالم»، لإحداث تصادم بين جسيمات دون ذرية، على سرعات «قياسية»، تكاد تقترب من سرعة الضوء، في محاكاة للانفجار العظيم الذي يعتقد أن الكون نشأ عنه.
وتعالت صيحات الاستحسان من 80 عالماً في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية «سيرن»، لنجاح «تجربتهم العملاقة»، التي يأملون أن تكشف عن طلاسم كونية، منها منشأ النجوم والكواكب وماهية المادة المعتمة.
واعتبر المدير العام للمنظمة رولفديتر هوير أن هذا التحرك يفتح «حقبة جديدة من الاكتشافات في تاريخ البشرية»، و»يظهر ما بمقدورنا أن نبذله لمعرفة كيفية نشأة الكون في أطواره المبكرة».
وأطلق العلماء في «مصادم الهدرونات الكبير»، الواقع في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة، قرب جنيف وعلى عمق مئات الأمتار تحت الأرض، ما يجعل منه «المكان الأكثر برودة في العالم»، التجارب بإحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات، تسيران في اتجاهين متقابلين في مسار بيضاوي، داخل نفق طوله 27 كلم، وبكمّ طاقة يصل إلى 3,5 تيرا إلكترون فولت، وبسرعة تفوق بثلاث مرات السرعة التي تمكنوا من إحداثها في 2008، وتقارب سرعة الضوء (300 ألف كلم في الثانية)، لمحاكاة الظروف التي أعقبت الانفجار العظيم.
ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والأجهزة الإلكترونية المعقدة والحاسبات، وكلف إنشاؤه 10 مليارات دولار، ويصل عمره الافتراضي إلى 20 عاماً.
وحين تحطّم الجسيمات بعضها البعض، فإن كل تصادم يحدث انفجاراً سيمكن آلاف العلماء المشاركين في مشروع المختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات، من رصد وتحليل ما حدث خلال فترة متناهية الصغر من الزمن، أعقبت حدوث الانفجار العظيم، الذي وقع قبل 13,7 مليار عام.
وفي العام 2013، عندما يصل كمّ طاقة الجسيمات المتصادمة خلال التجارب داخل المصادم، إلى 7 و14 تيرا إلكترون فولت، سيشهد المصادم مليارات التصادمات، التي ستطرح كماً هائلاً من البيانات عن ملابسات الانفجار العظيم وما تلاه من أحداث، التي تحتاج جميعها إلى التدقيق، ما يعني أن «سيرن» لن يعلن عن اكتشافات مهمة، قبل سنوات.
وقال اوليفر بوخمولر، احد كبار المسؤولين عن التجربة «خلال العامين 2010 و2011، سنجمع البيانات ونتوقع أن نتوصل إلى اكتشافات حقيقية»، و«بحلول نهاية 2010 نعتقد أننا سنتوصل إلى أدلة تؤكد وجود المادة المعتمة وماهيتها»، موضحاً أنه عندما تصل طاقة التصادم إلى 14 تريليون الكترون فولت في 2013، فإنها ستتمخض عن فك شفرة بوزون هيغز».
وبوزون هيغز، جسيم افتراضي لا يزال «الحلقة المفقودة من سلسلة البنية الأساسية للمادة»، يعتقد أنه يساعد على التحام المكونات الأولية للمادة ويعطيها تماسكها.
وقد أعرب الكثيرون عن مخاوفهم من أن تؤدي تلك التجارب إلى «فناء» الأرض عبر إحداث ثقوب سوداء متناهية الصغر فيها، وهي جسيمات دون الذرية تعدّ جاذبيتها قوية جداً لدرجة تجعلها تلتصق بكواكب ونجوم أخرى، لكن العلماء من «سيرن» وخارجها، دحضوا تلك المخاوف.
و«المادة المعتمة» تعبير أطلق على مادة افتراضية لا يمكن قياسها إلا عبر تأثيرات الجاذبية الخاصة بها، ومن دونها لا تستقيم حسابياً العديد من نماذج تفسير الانفجار العظيم وحركة المجرات، ويرجّح أنها تشكل حوالى 23
في المئة من مادة الكون الكلية، فيما تمثل الطاقة المعتمة التي يعتقد أنها مسؤولة عن اتساع الكون واستمرار
حركته حوالى 73 في المئة من كتلة الكون، أما الـ4 في المئة فهي تشكل المادة المرئية التي تشكل النجوم
والكواكب.