حديث من الأحاديث التي تطمئن العبد أن الله لا يفعل أي شيء إلا لحكمة
وأن ما أصابنا من مصائب أو مشاكل أو أشياء لا نحبها
إنما فعلها الله لفائدة هي أكبر من هذا الضرر الذي قد يقع على بعضنا.
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة".
ويعني هذا الحديث أن الله إذا أخذ من عبد حبيبتيه أو إحدى حبيبتيه -عينيه- فصبر
ولم يسخط على الله فإن جزاءه عند الله الجنة.
إن الهدف من ذكر هذا الحديث هو أن تثق بمنع الله كما تثق بعطائه،
متيقنا من أن كلا الأمرين لحكمة من الله الحكيم الكريم الرحيم، الذي يهون عليك أي شيء
تبتلى به فتنشغل بالرضا والدعاء بأن يرفع الله عنك وأن يعطيك أجرك فيما آلمك.
والآن ماذا لو تعرفنا على بعض أنواع الابتلاءات وحكمة الله من كل بلاء؟
أولا الأهل:
أنتم متفقون معي على أن الله لا يظلم الناس شيئاً، وأيضاً: "وما ربك بظلام للعبيد".
إذا اتفقنا على هذه الحقيقة التي هي من صميم عقيدتنا لننطلق منها وننشغل بالتفكير في حكمة الله
من كل بلاء ليزداد حبنا لربنا بعد بلائه لنا.
هناك معان جميلة راقية لا تصل إلى القلب إلا في المحن، كاللجوء إلى الله والانكسار بين يديه والاعتماد عليه،
وهذا كله يشعر به الإنسان إذا أحس بحاجته إلى الله...
وللأسف أثناء كثرة النعم والرخاء ينسى الإنسان أن كل نفس وكل حركة لقلبه وكل قرش يملكه وكل لحظة خير وسعادة
ما هي إلا من عند الله.. "وما بكم من نعمة فمن الله"، لكنه ينسى فضل الله وينشغل بالنعم؛
لذلك قد يذكره الله باللجوء إليه عن طريق بعض المحن، منها:
1- ابتلاء قد يواجه الإنسان إذا أراد أن يقترب من الله ويترك بعض المعاصي، فقد يواجه وسط أصحابه بعض السخرية منه أو
بعض الاستغراب من طريقته أو اللوم لأنه تشدد ودخل سريعاً في التدين، مع أنه فقط بدأ يصلي أو أنها ارتدت الحجاب، أو أنه بدأ
يضبط علاقاته التي كانت منفتحة مع الجنس الآخر، ولم يتشدد في أي شيء أو يسخر من المعاصى مثلاً، لكنه يواجه بسيل من
السخرية قد تشككه في صحة الطريق الذي سلكه؛ لذلك قد يقول له الشيطان: أنت اقتربت من الله، فلماذا يحصل لك هذا؟ فيقول
له: لأن الله له حكمة إذا حصل معنا هذا، وقد صدق الرسول عندما قال: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ"، يعني قد
يشعر الشخص صاحب الأخلاق المهذب المحب لربه ببعض الغربة وسط مجتمعه ولذلك يلجأ إلى الله وحده ليستأنس به وحده
ويطلب منه أن يسهل عليه وأن يهدي أصحابه ومن حوله ويذيقهم الخير الذي ذاقه.
وقد يكون الإنسان وسط صحبة سيئة كانت تجره للمعاصى والكبائر والبعد عن الله وحين يسخرون منه يحاول أن يبحث عن
صحبة صالحة أخرى ذات أخلاق تعينه على القرب من ربه، وبهذا يتحول ما في ظاهره بلاء إلى الخير.
فاصبروا وادعوا لهم وكونوا معهم مادام قربهم لا يؤثر على دينك وصلتك بربك.
2- ابتلاء تأخر الفرج في مشكلة معينة.. نعم قد يمر الإنسان في حياته ببعض حالات الضيق، وبعض الأشياء التي تكدر صفو
حياته مثل أي ضائقة مالية أو تأخر في الزواج مثلاً، وكل ذلك له حكمة، فالله يضع الشيء في موضعه وهو عليم بما يصلحنا
ويفسدنا، ورحيم ولطيف بنا، يخفف عنا دائماً. لذلك فكل ما يؤخره الله أو يمنعه هو لحكمة علمها عنده.
ويقول ابن عطاء الله في ذلك: "إذا فتح الله لك باب الفهم في المنع أصبح المنع عين العطاء". يعنى لو فهمت حلاوة حكمة الله في
المنع أصبح هذا المنع هو العطاء لإدراكك المصلحة التي فيه، فلو أنك مثلاً لا تستطيع تحمل المسئولية وتحتاج إلى أن تتدرب
أكثر على هذه الصفة، فيوخر الله عنك الزواج، وهو ما قد يكون بلاء في ظاهره، ثم يتركك في الحياة والعمل لتتعلم الصلابة
والمسئولية ثم توفق بعد ذلك لمرادك لتعيش أحلى حياة لأنك أصبحت أهلا لها.. "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم".
ومثلاً نفترض أن هناك فتاة عصبية جداً وتخسر كل زميلاتها بسبب هذه العصبية، فإذا تزوجت الآن قد تعيش تعيسة وتصطدم بهذه
العصبية مع زوجها فتخسره وتدمر بيتها، فيؤخر الله لها زواجها ويضعها فى مواقف يعلمها من خلالها الحلم والصبر حتى إذا
تزوجت بعد فترة أصبحت سعيدة وأصبح بيتها مطمئنا غير مهدد بالانهيار.
وهكذا دائما الإنسان يحسب دائما أنه يريد لنفسه خيرا ولكن الله يعلم ما فيه الخير وما فيه الشر